الاثنين، 30 يوليو 2012

الكتاب المنشور ... والسرّ المستور ...؟؟



اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم
 اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما
وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه
 واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه
 وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين. اللهم آمين 


كثيرا ما تساءلت عن سر هذا الكتاب المنشور الذي لا يترك صغيرة ولا كبيرة 
ولا يترك شاردة ولا واردة .. ولا فكرة ولا غفوة إلا أتى بها وأحصاها 
ويجعلني أتلاطم في سر هذا الكتاب الذي يفضحنا ويعرينا أمام الله تعالى 
ويأتي بأدق الاشياء التي فعلناها والأمور التي ارتكبناها والمشاعر التي مارسناها
وينشر لنا كل أعمالنا في الحياة الدنيا .. ولا يغادر صغائر الأمور ولا كبيرها

قال الله تعالى
وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ 
يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا 
وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً [الكهف : 49]

وفي آية أخرى يخبرنا الله تعالى أن لدينا ملائكة تكتب كل ما نفعله
وكأنهم حراسّ على حركاتنا وأنفاسنا وأفكارنا ووسوسة صدورنا 
حتى ما نخفيه في قلوبنا وما نظهره في العلن يكتبونه بكل دقة
فقال الله تعالى 
أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم 
بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ [الزخرف : 80]
تلك هي لجنة الرقابة التي تراقب أفعالنا وحركاتنا 
وتسجلّ كل نفسّ نأخذه وكل زفرة نزفرها
وهم ملائكة لا يرتشون ولا يكذبون ولا يمارون
ولا يقعوا فريسة الاغراءات ولا الأهواء الشخصية
مهمتهم فقط تسجيل كل حركة وكل نفس وكل خاطر وكل كلمة
بكل ثانية يقضيها الانسان في الحياة بدون نقص أو زيادة 
فقال الله تعالى
مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [قـ : 18]

اذن هذا الكتاب المنشور يوم القيامة هو ما يكتب فيه هؤلاء الملائكة المراقبين
ولكن كيف يكتبون وبأي طريقة يسجلون هذه التفاصيل الدقيقة عن حياتنا
وما نوع هذا الكتاب وما عدد صفحاته وكم سطرا فيه وكم كلمة فيه 
فهذا أمر خارج عن اطار ادراكنا .. وهو غيب لا يعلمه إلا الله تعالى
كل ما نستطيع الوصول اليه بفهمنا المتواضع هو كنه هذا الكتاب
وطبيعة هذا الكتاب وعمل هذا الكتاب وماذا يحتوي هذا الكتاب
قال الله تعالى
وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ 
يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً [الإسراء : 13]

ثم تبدئ رحلة الغوص في كلام الرسول عليه الصلاة والسلام في هذا الأمر
قال الرسول "رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يعقل"
اذن استثنى رسول الله ثلاثة أنواع من البشر تتوقف لجنة المراقبة عن كتابة أي شيء في حالتهم
ولا يستأنفون الكتابة إلا حين يحققوا شروط صحة الكتابة لكل حالة على حدا لوحدها
وهنا اتسائل لما هؤلاء الثلاثة الذي استثناهم الرسول من المحاسبة ومالذي يجمعهم مع بعض..؟؟
وتشرق في نفسي اجابة تقول

النائم لا يدرك أي شيء وعقله غائب عنه لأن النوم هو وفاة مؤقتة أو وفاة صغرى
قال الله تعالى في كتابه العزيز
اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ 
وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الزمر : 42]
فالنوم هو رحلة مؤقتة لمغادرة الروح هذا الجسد الطيني وسفرها الى بارئها 
فالتي قضي الله عليها الموت يقبضها والتي لم يزل لها عمر في الأرض يرسلها
وهذه لطيفة مهمة جدا جدا جدا في كلام الله تعالى حين ربط الرسول رفع القلم عن النائم
وحين أعلمنا الله ان النوم هو وفاة مؤقتة لأن الروح تغادر الجسد 
وكأننا أمام سر الهي يقول بأن الروح هي مستودع لما يكتب الملكين ..؟؟

الطفل لا يقع تحت مسؤولية المحاسبة إلا حين يحتلم ويصير في عمر البلوغ 
لأنه حين يبلغ يكون قادرا على التناسل وهي أول خطوة في عمار الأرض 
ويستوجب عليه التكليف في الأرض كما استخلف الله سيدنا آدم على الأرض
لأنه في هذا العمر يبدأ التفكير ويبدأ التخطيط ويتفتح الوعي على أمور كثيرة
ويستطيع أن يحكم بين الصح والخطأ في أولى خطواته وأن يتخذ قراراته
وأن يتحمل نتائج أفعاله وها ما نسميه في علم الاجتماع مرحلة المراهقة 

المجنون هو الذي يملك عقلا ولكن لا يعرف كيف يستخدمه 
وغياب العقل هو الذريعة التي تحججّ بها الرسول لرفع القلم عن المجنون
لأن العقل هو مركز التفكير واتخاذ القرارات والتفريق بين الصح والخطأ
وحين يكون الانسان عاجزا عن استخدام عقله فهو غيرّ مكلف ولا يحاسب 
انما العبرة في العقل فاذا انتفى السبب انتفى بالضرورة المسببّ

وهنا تبدأ رحلة ربط الثلاثة مع بعضهم البعض في حديث الاستثناء
طفل لم يبلغ التكليف.. نائم ليست معه روحه .. مجنون لا يملك عقلا 
والثلاثة ينصبوا في غياب العقل الواعي والصاحي والمدرك 
اذن وجود العقل هو التوقيت الرسمي لعمل لجنة الرقابة والكتابة
وهنا نبحث لماذا العقل وماذا يملك العقل حتى يكتب الملائكة فيه 
وهنا تنفجر الاجابة العجيبة والغريبة ... انها الذاكرة يا سادة ..؟؟

الذاكرة هي أكبر مستودع لكل تفاصيل حياتك برمتها 
هي الوحيدة التي تسجل فيها مشاعرك وأحاسيسك والهاماتك وانفعالاتك 
هي الوحيدة التي تحتفظ بلحظات الحب والشوق والحنين والحزن والألم
هي الوحيدة التي تستدعي منها صور قديمة للأماكن والوجوه والمعالم
هي الوحيدة التي تعرف كل صغيرة وكبيرة في حياتك مهما كانت 

كل هذا تحفظه الذاكرة وتسجله في دقة شديدة وأمانة ملفتة للانتباه
مع تاريخ كل لحظة ثانية بثانية تسرد الوقائع وكأنه شريط سينمائي 
ونعتقد أننا ننسى .. ولكن حقيقة الأمر نحن لم ننسى أبدا وهو موجود في ذاكرتنا
يظهر لنا فجأة في لحظة استرخاء أو حلم أو استنشاق رائحة ما أو رؤية ة منظر ما
وكأن الذاكرة لا يضيع فيها شيئ أبدا لكنها تحتاج الى محرّضّ كي نستدعيها مرة ثانية

وهنا يأتيني السؤال المحير واللغزّ العجيب .. أين توجد كل هذه اللحظات وهذه الصور 
وستقولون بكل بداهة انها تتمركز في خلايا الدماغ كأنها منقوشة في تجاويفها
ولكن هذا الجواب المادي ينسفه العلمّ حين يقرّ بأن خلايا الدماغ تموت مع العمر 
اذن ان كانت الخلايا تحمل الذاكرة فموت الخلايا يقتل هذا الذاكرة وتهترئ بمرور الزمن
فالذاكرة ليست موجودة في الدماغ ويستحيل أن تكون في الدماغ لأسباب منطقية وعلمية
ان العطب الذي يصيب مركز الكلمات في الدماغ لا يؤثر على ذاكرة الكلمات أبدا
انما الذي يحدث هو عاهة في النطق وفي الأداء الحركي للعضلات التي تنطق بالكلام
مثل المصباح الكهربائي وزر تشغليه في الحائط ..ان عطل المفتاح لا يعني عطل المصباح
والدماغ ما هو سوى ترانسستور مثل الراديو يلتقط الذبذبات الاثيرية من الفضاء المحيط
ويحولها الى نبضات كهربائية يترجمها الى كلمات واصوات وأغاني وصراخ ونباح
وان تلف الراديو لا يعني أبدا تلف الذبذبات الأثيرية التي تحيطنا من كل جهة 
فأي راديو آخر سليم سيلتقط الموجة وسيبث الاصوات وسيلعلع بالكلام 
فتلف الراديو لا يعني أبدا تلف الموجة التي تصل لنا ولا نعرف استقبالها

هذا هو حال الذاكرة هي صور ورؤى وأصوات ولحظات محفوظة في الروح
وليس الدماغ أو جسد الانسان بأي حال من الاحوال مستودع لهذه الذاكرة
فان اصيب الدماغ بعطب ما يصاب النطق مثلا بالتلف ولا تصاب الذاكرة باي شيء
لأن الذاكرة مستقرها في الروح .. والروح لا يجري عليها ما يجري على الجسد
وسوف يموت الجسد ويتعفن الدماغ وتظل الذاكرة شاخصة حيّة نابضة لا تموت
لأنها في الروح تسمو وتعلو حين الموت الى بارئها فلا ينتقص منها شيء ولا يزيد
ويوم القيامة يردّ الله لنا أرواحنا ومعها ذاكرة تفصيلية بكل ما فعلناه في الحياة الدنيا
وهذا هو الكتاب المنشور الذي يعرضه الله علينا يوم القيامة كأنه فيلم سينمائي 
قال الله تعالى
اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً [الإسراء : 14]

\
/

على حافة الافطار 

من يتأمل القرآن يجد أن أكثر الخطاب من رب العالمين هو للذكرى
ولغة الخطاب دوما فيه :  لعلهم يتذكرون أو لقوم يذكرون أو ذكرى لهم 
ثم جاءت آية اختصرت كل ما أراد الله لنا من هذه الذكرى العظيمة
وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى [الفجر : 23]

بلال فوراني



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شاركني برأيك .. ودعني اسمع صوتك