الاثنين، 3 يونيو 2013

Arab Times :: بين موت العباد وحياة الفساد ..ومواطن سوري يعيش صباح الأضداد ..؟؟

Arab Times :: بين موت العباد وحياة الفساد ..ومواطن سوري يعيش صباح الأضداد ..؟؟


من المحتمل أن تقلب فنجان قهوتك اليوم كي تقرأ الغيب كي تعرف ماذا يخبئ لك المستقبل من خيبات أمل قادمة على الطريق , لكن ( للأسف ) حتى عرافة نزار قباني نفسها لن تعرف كيف تفكّ طلاسم هذا السواد القابع في قعر فنجانك , ولن تكون قادرة على أن تهبكَ ذرة تفاؤل تقيكَ بردّ التشاؤم وستجدها ممنّ يبتهلون لك بالدعاء بعد قراءتها الاخيرة مرددة بأن طريقك مسدود مسدود مسدود . ذلك أنك صرت على يقين بأن الكلمة السورية المشهورة " بكرا أحلى " صارت مستهلكة جداً ومهترئة حتى أن شحاذين الشوارع  لم يعودوا يتدثرون بها , و حتى الذين كان يجلجّلون مسامعنا بأن الأزمة " خلصت " لن يؤمنوا بها , لأن هذا الغد المختبئ وراء أسوار الفنجان وفي قاع السواد العربي لن يعطيك رؤية صادقة عن الارشادات التي يجب اتباعها كي تعرف طريق برّ الامان والوصول الى هذا الغد بكل سلام , وهذا الغدّ صار خبيثاً مثل ثعلبٍ ماكر يتحايل عليك كل صباح كي يهبك جرعة نشاط في الوقت الذي يعدّ لك مصيبة بحجم نشاطك السابق كي تكون قادرا على متابعة يومك الجديد (الذي صار مثل) يومك القديم لا شيء جديد فيه أبدا .

الصباح السوري صار ثقيل الدمّ رغم أن صباح فخري ما زال يشدو بقدوده الحلبية الخفيفة الدم , ورغم استماعنا الدائم لأغاني الشحرورة المعمرة صباح وهي تشدو بأغنيتها الشهيرة " على البساطة البساطة " في وقتٍ صار فيه سعر كيلو البطاطا بسعر كيلو الموز في أيام الثمانينات. وما زالت سفيرتنا الى النجوم تصدحّ بأغانيها (الصباحية) التي نصلي كل فجر فيها ونحن نسمع أغنية " شادي " الذي حتى الان لم تستطعّ كل مخابرات الدنيا وكل تكنولوجيا العصر على اكتشاف أين ذهب شادي , هذا رغم أن هناك نميمة تسري في الحي السوري تقول بأن شادي مخطوف والخاطفين غير معروفين وهم يطالبون بفدية قيمتها أكبر مما كان يحلم شادي وعائلته كلها أن يجمعوه في يوما ما , لكن العرافة التي طرقت باب بيتي اليوم قالت لي أن شادي مقتول ومرمي في الشارع الفلاني لأنه كان من أتباع النظام و جثته لم يتم العثور عليها لكن النمل السوري عثر على بقايا حنجرته التي ما زال يتردد فيها صدى كلماته الاخيرة وهو يقول " للأبد للأبد .. لأجل عيونك يا أسد " ...؟؟

هذا الصباح السوري صار أشبه بمفاجآت مهرجان دبي , كل شيء متوقع فيه دون أدنى يقين بأن " بكرا "سيكون أحلى أو ربما أغلى...وجميع مراسم هذا المهرجان تبدأ من التاجر القذر الذي لم يشبع بطنه يوماً من أكل المال الحرام الى المواطن المسكين الذي لم يعرف يوما ما معنى كلمة شبع , وفي ظلّ الالوان المزركشة للعملة السورية التي صارت أشبه بقوس قزح , وفي ظل الدولار الذي صار مثل مصعد برج دمشق نازل طالع وفي أغلب الاحيان يتعطل في الطوابق العلوية دائماً. صار المهرجان أشبه بحفلة كلاسيكية على عزف الساكسفون , المدعوون دائما من الطبقة المخملية التي نهبت وسرقت وأكلت خير البلد , وأصحاب الدعوة هم الذين دخلوا من باب الأزمة السورية في برلمان الدولة ومجلس شعبها المسكين , وحاشية هذه الحفلة هم أنا وأنت وكل مواطن يشعر بأن الأزمة منصبّة فقط عليه هو وكأنها لعنة لا تطال أصحاب الرؤوس العالية واصحاب الكروش المترهلة من فرط التخمة الوطنية , فهي فقط تصبّ لعنتها على أولئك الذين يسألون لماذا يحدث هذا؟ وعلى الذين يهبون أولادهم كل يوم الى خدمة العسكرية كي يدافعوا عن البلد , وعلى الذين يقولون قولة حق في وجه الخيانة الوطنية و الفساد المتفحش الذي طال أرقى مناصب الدولة كما تعلمون . نعم يا سادة فالتاريخ يقول أن كل أزمة في الدنيا يعيش من ورائها متسلقي السلطة و ينتعش فيها التجار ويدفع ثمنها دوما الفقراء . وفي سوريا لم نعد نعرف من يدفع لمن ...لكن السؤال الذي يغصّ فيه كل سوري عند الصباح هو في أصل الأمر " نحن ندفع ثمن ماذا يا ترى..؟؟ " .

في علم التحليل السياسي الجديد الذي أنجبته الازمة السورية و التي قد فرختّ علينا كل من هبّ ودبّ من محللين سياسيين من كل جنسيات العالم , في هذا العلم صار الكل يعمل محللاً سياسياً , حتى صار بائع الفلافل عنده الاستعداد لأن يحللّ لك بالضبط ما يحدث في سوريا  و كيف أن الحمّص السوري صار معجون بسفالة الماء التركي القادم من وراء جبال طوروس , وكيف أن القرص السوري لم يحافظ على ثباته في ظل غليان الزيت السعودي ورداءة  الغاز القطري , لكن يد الجيش السوري استطاعت أن تحكم قبضتها بمهارة على القرص لتفتله حتى استدار وصار كل ما  فيه يدوخ ويترنح وكأنه يركب مرجوحة العيد. ويحضر خاطري هنا كلمة المرحوم الساخر جلال عامر حين قال قولته " كنت أتمنى أن أطلع محلل سياسي ولكن أهلي أصروا على اكمال تعليمي " . وفي هذا العلم يقال لك أن الثمن الذي تدفعه سوريا هو ثمن وقوفها في خط الممانعة والمقاومة وهي تدفع ثمن دعم الحركات الوطنية ضد الكيان الإسرائيلي والهيمنة الامريكية على شعوب المنطقة . وهنا يقفز بائع الفلافل ليحلل على طريقته قائلاً  : أن الثمن الذي تدفعه سوريا هو في حقيقة الامر لأنها لم تسمح لإسرائيل أن تفتح لها دكانا صغيرا تسترزق منه ولأنها تركت اسرائيل في مواجهة دائمة مع شقيّ الحارة الملعون الذي أتعبها وأنهكها وهو يرمي حجارته على مستوطناتها حتى صارت تقول في سمائها : يا صبر أيوب ؟؟

في علم التحليل الشوارعي والذي يصدف أنه ينقل الحقيقة من الشارع الى المواطن أو العكس تماماً , فليس لدينا بطل في هذا التحليل سوى الاعلام السوري المتميز في شوارعيته , حتى أنه يستحق أوسكار على مسح أرصفة الطرقات كي يتجرع تعليق من أحد مواطني الجمهورية العربية السورية والذين بطبيعة الحال ما زالوا يعيشون فيها , وهو يستحق بكل جدارة نيشان البطولة الفردية في نقل الحدثّ إن حدثّ , مع مراعاة فارق التوقيت الذي يعيش فيه الإعلام السوري والذي يتأخر بألف سنة ضوئية حسب توقيت غرينتش . وهنا ألقي ظلال الواقع قبل ظلال النفخّ والتطبيل للإعلام السوري الرائع والمقاوم وشعارات كثيرة نسمعها كل يوم من جوقة العازفين على وطنية الاعلام السوري العظيم , فنحن هنا لسنا في جدال مع أناس لا يرون سوى بعين واحدة , بل نحن هنا كي نرى بعيون الشارع الذي يرى الإعلام السوري مراهق لا يرتقي أن يكون بحجم الحدث السوري ,خاصة حين ترى وزير الاعلام السوري أطال الله في عمره وزاد من عدد الميكروفونات التي حوله , قد استقبل الفاتح العظيم وبطل التحرير وشهيد المقاومة المدعو " احمد سبايدر " , لكنه لم يستطع أن يبلع قامة كبيرة وجبل من التفكير الرصين والتحليل السياسي اللاذع ورصيد لا يستهان به من الخبرة الاستراتيجية وأول من وقفوا الى جانب سوريا مثل " رفيق نصر الله " . إني لا أهاجم الأشخاص بعينهم بل أتكلم عن الحالة التي نعيشها ونراها بأعيننا التي لا تفهم ما تراه مما تراه من تناقضات عجيبة غريبة. إن الانفصام الذي يعيشه الاعلام السوري هو أول مسؤول عما يحدث من تداعيات في البلد , فحين قال الرئيس بشار أننا نملك الأرض وهم يملكون الفضاء وغداً سنملك الفضاء , لا أظنهم كانوا يستمعون له في هذا الوقت , وأغلب الظنّ أنهم ما يزالون على الأرض طالما أن الكلمة السحرية والتي هي " الواسطة " تفعل فعلها السحري على شاشاتنا حتى تشعر بأن مهنة مذيع أو إعلامي لا تحتاج في سوريا أكثر من شهادة ابتدائية وتلفون صغير من أحد الجالسين في كراسيهم التي لا تتزحزحّ عن مؤخراتهم أبداً  .

هذا الصباح السوري لم يعد قادراً على احتمال كل هذا الفساد , فلم يكن ينقصنا فوق المؤامرة التي يحيكها العالم كله ضدنا , سوى هؤلاء الذين يجلسون معنا في خندق واحد يدافعون عن الوطن وهم يحفرون تربته بكل بلاهة وربما عن قصد متعمدّ . كل هؤلاء من التاجر الذي لم يرحم ابن بلده , الى مكاتب صرف العملة التي لم ترحم الدولار من الصعود والنزول , الى متسلقي الازمة من وزراء ونواب في مجلس الشعب والذين ما زالوا يجلسون وراء مكاتبهم وكأنهم أصنام خشبية , الى الذين يقبلون الرشوة علناً وعلى عينك يا تاجر , الى الذين يتلاعبون بأسعار المواد الغذائية ويتلاعبون بلقمة المواطن المسكين , الى الاعلام المراهق الذي ما زال يعيش غيبوبة الأزمة السورية , الى أكبر مأساة نعيشها اليوم يا سادة وهي اننا بكل هذه الامور استطعنا أن نزيد من نار الازمة وننفخ فيها بدل أن نطفأها , وتركنا المواطن المسكين والمغلوب على أمره نتيجة صراع هذه القوى كلها , والذي صار بحكم الفقر ودون أن يشعر ينقلب على شيء اسمه النظام بغض النظر ان كان يفهم ما معنى كلمة نظام أم لا , فحين لا يجد لقمة تسكت عواء معدته ولا أمعاء أطفاله , سيتحول الى ذئب بشري لا يهمه شيء وسيضع يده في يد الشيطان لو لزم الأمر , وسينتقل من خانة مواطن شريف الى خانة خائن أو عميل أو قاتل أو سارق . إنه نتيجة فسادكم وليس نتيجة أخلاقه, وانا لا أعممّ الأمر على جميع الطبقات بالطبع , ولكنني أتكلم عن هذه الشريحة الشريفة التي صارت تشتهي شريحة لحمة في الوقت الذي تشرحون لها فيه عن معنى الوطن والوطنية والمواطنة . ولست هنا أبررّ ولا أعطي تصريح ولا صلاحية لأحد فيما يقوم به من جريمة بحق الوطن , ولكن دعونا نحاول أن نفتح عيوننا قليلا على المشهد الراديكالي الذي نعيشه ونقول في أنفسنا ما الذي أوصلنا الى هذه الجريمة . فإن كان هناك لنا أعداء من الخارج نحاربهم , فأحبّ أن أطمئنكم يا سادة , فالعدو لم يعدّ على الأبواب بل صار في البيت يأكل معنا ويشرب معنا وينام معنا ويشاهد معنا في آخر السهرة فيلماً مصريا عنوانه " جعلوني مجرماً "..؟؟

على حافة سوريا
بكرا... لم يعدّ أحلى بقدر ما صار أغلى
بكرا ...لم يعد أرقى بقدر ما صار أدنّى
بكرا ...لم يعدّ أذكى بقدر ما صار أغبى
بكرا ..ان لم ننتبه سنصير كلنا فيه غرقى

بلال فوراني