الخميس، 26 يوليو 2012

البوح الجميل في حضرة الشهر الفضيل .. البوح السادس




اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم
 اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما
وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه
 واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه
 وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين. اللهم آمين


اللهم أعطي منفقا خلفا وأعطي ممسكا تلفا ..؟؟

مازال معبودنا والهنا المنشود في الحياة الدنيا هو المال
ما زلنا نقتل لاجله ونكذب لاجله ونصلي في بنوكه بكل خشوع
ومازال المال أعظم إله خلقه البشر في عقولهم وأكبر معبود في تاريخ العبادة
لأجله .. قامت الحروب واندلعت المعارك وانتهكت المحارم واغتصبت الحقوق
لأجله .. حقد الأخ على أخيه .. وكرهت الأخت أختها .. وتطاول الولد على أبيه
لأجله .. ضاعت القيم والمبادئ وتسفهت الأخلاق وتقزمت التربية وتشرذمّ الشرف
لأجله .. باع من يتستر بالدين دينه .. ومن يختبئ وراء الفضيلة فضيلته
لأجله .. تعرت النساء .. وضاعت كرامة الرجال .. وخسرنا أنفسنا بكل رخصّ
لأجله .. لم نعد نفعل شيء قبل أن نزينه بحسابات المنفعة والمصلحة الشخصية ..؟؟

هل تظن أن المال الذي بيدك جاء بمجهودك وتعبك وعبقريتك وذكائك
هل تظن أن الجاه الذي تنعم به هو جزاء عادل لتعبك وسهرك وصدق عملك
هل تظن أن النعمة التي تنعم بها هي حق لك لا يجوز ان يحرمك الله اياها
هل تظن أن ما تملكه كان نتيجة طبيعية لتخطيطك الذكي في الحصول عليه
ان كنت تظن هذا .. فأنت مسكين يدعو للشفقة .. وجاهل يحتاج الى الكثير من العلم ؟؟

قال الله تعالى
أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا و
رَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً
وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ [الزخرف : 32]

فالله قسمّ المعيشة بيننا قبل أن نأتي للحياة ونصير أجسادا تنضج فينا الروح
وجعلنا كما قال عزّ وجلّ درجات في الغنى والفقر والقوة والضعف والعلم والجهل
وجعلنا بعضنا لبعض سخرة كي تكتمل الدنيا وتمشي مسيرة الحياة في الأسباب والمسببات
فإن كنت أمير وأنا أمير وهو أمير فأخبرني بربك من سيسوق الحمير ومن سيزرع الشعير ..؟؟
هي سنة الله التي لن تجد لا تبديلا ولا تحويلا وسيحاسب كل زي راع عن رعيته يوم القيامة
وسيأسل أحدكم .. لما الله خلقني فقيرا وجاري غنياً .. لما أنا أسوق الحمير وهو في قصره أمير
وهنا يأتي قول الله تعالى يوم القيامة "الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [غافر : 17]

وهنا تحضرني قصة سمعتها من سنوات من شيخ عالم فتح الله على قلبه نورا من أنوراه الالهية فقال لي
يحكى أنه في أحدى القرى جاء فقير الى شيخ القرية المحبوب ساخطاً على رزقه..  فقال للشيخ : ان الله ليس عادلا ؟؟
لما خلقني الله فقيرا وخلق هذا غنياً .. ولما أعطى هذه وحرمني أنا .. ولما أنا أجوع وهو يشبع ؟؟
فضحك الشيخ وقال له هل تشك في حكمة الله .. هل تكفر برزق الله .. لا بأس عليك سأعلمك معنى الرزق ؟؟
فنادى الشيخ مناديا أن اجمع لي جميع أهل القرية من رجال ونساء وأطفال وكهول وحين اجتمع الجميع
قال لهم : غداً يأتيني كل واحد منكم الى حمام السوق بأطيب وأغلى وأثمن الطعام في بيته
وفي المقابل سأدل الرابح منكم على مكان كنز مدفون في بلدنا هذا لا يعرفه أحد إلا أنا ؟؟
وفي اليوم الثاني ذهب الشيخ الى حمام السوق وهو لمن لا يعلم من أبناء هذا الجيل السريع والمستعجل
حمام تثور النار من تحته على بلاط ناعم ويسخنّ الماء في غرف خاصة للبخار وغرف أخرى للتدليك
وحين وصل الشيخ الى الحمام طلب من صاحب الحمام ان يدخل غرفة البخار وسأله ان يدخل له كرسي
كي يجلس عليه فلا تطأ أقدامه الأرض وطلب منه أن يشعل أكبر كمية من الحطب تحت الغرفة
دون أن يبلل الأرض بالماء كي لا يتبخر أي شيء ويظل بلاط الغرفة مثل السعير بل أكثر
وحين دنا موعد قدوم أهل القرية اصطفوا على باب الحمام في طابور طويل جدا
ثم أذن الشيخ لصاحب الحمام أن يدخل كل واحد على حدى دون أن ينتعل في قدمه شيء
فدخل عليه الغني يحمل حللّ الطعام وصواني الحلويات مما يلذّ للنفس ويطيب لها أشكال وأنواع
فقال له الشيخ أخبرني بكشل دقيق عن كل صحن أحضرته لنا يا هذا
فبدأ الغني يخبره بما أحضر وهو يتراقص من سخونة الأرض ويتلوى
وحين وصل الى الصحن الرابع لم يعد يحتمل الجحيم تحت قدميه فرمى الصحون وولّى هاربا من حرّ الأرض
وحين دخل عليه الفقير المسكين لم يكن يحمل سوى صحناً فيه حبتي زيتون
فساله ما احضرت يا هذا معك فقال الفقير بأسى أنه أحضر فقط حبتي زيتون ثم غادر
دون أن ينتبه أن الأرض تحته تصطلم سعيرا فهو  لم يشعر لأن اجابته كانت على قدر ما يملك ..؟؟
هل فهمتم المغزى .. وهل فهمتم ما معنى يوم الحساب .. وهل عرفتم ما معنى أن تُسأل عن كل شيء
" وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا
مالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا
وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً [الكهف : 49]

وقد جاء الاسلام هذا الدين العظيم لتهذيب النفس البشرية المجبولة على الطمع
فقد علمّ فينا الله بعلمه القديم أننا سنحب المال حباً لا يدانيه إلا محبة الأولاد
فقال الله تعالى "وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَّمّاً وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً [الفجر : 20-19 ]
وقال الله تعالى " الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً [الكهف : 46]
فلما كانت هذه الخصلة المزروعة فينا تحتاج الى مضاد حيوي يقاوم شهوتتنا في حب المال
أمرنا الله عز وجل بالانفاق كي ينزع منا تلك الخصلة بمجاهدة النفس ويجزينا خيرا عليها

لا تظنوا حين تنفقوا على فقير أو محتاج أو مسكين أنك رجل كريم أو أنك امرأة سخيّة
فالمال الذي بيدك ليس مالك في أصل الأمر إنما هو لله تعالى يجري على أيديكم كيفما يشاء
والله جعلكم خلائف في الارض فأعطى البعض ومنع البعض لحكمة الهية لا يعلمها إلا هو
آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ [الحديد : 7]
والله لا يذكر الانفاق إلا يجاورها دوما بتذكرة أنه هو من رزقكم هذا المال كي تنفقوا منه
وكي لا يجري في نفوسكم الكبر والعجب بأنكم معطاؤون وكرماء وأسخياء
وأنتم في حقيقة الأمر تعطوا من كيس الله ومن مال الله ومن رزق الله
وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ اللّهُ وَكَانَ اللّهُ بِهِم عَلِيماً [النساء : 39]
وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً  [الرعد : 22]
إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ [فاطر : 29]

لم أجد لا أصعب ولا أقسى ولا أوجع من آية كريمة ذكرها الله في كتابه الحكيم
حين تشتهي وأنت في النزع الاخير من الموت أن يؤخر عنك الله قضاء الموت
كي تعود فتنفق وتتصدق بمالك في الوقت الذي كنت تملك الحياة كلها ولم تنفق شيء
في الوقت الذي لم يعد بينك وبين الحياة أي رابط سوى قول الشهادتين
وأنت كنت تفتخر بمالك وتتباهى بجاهك وتتكبرّ على الفقراء والمساكين
فيقول الله تعالى
وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ
 فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ
فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ [المنافقون : 10]
كلما قرأتها أحس بالخوف والرعب يتملكني .. أشعر بالضعف وأخاف أن لا أكون من الصالحين
أشعر بأن كل من يملك فكاك رقبته يوم العرض العظيم ولا يفكها بالانفاق فهو مجنون
ولتعلموا أن الانفاق رغم أنه أمر الهي إلا أنه متعة بحد ذاته وليس مجرد عطاء ؟؟
من جربّ الانفاق على الفقراء والمساكين وكل نصيبه دعوة صادقة
لا يعلم أنه ينفق هنا درهما .. والله يضاعف له في بنك آخر عنده
قال الله تعالى
" مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً
واللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة : 245]
من جربّ الانفاق على كل ذا عسرة وكل ضعيف وكل من يتعفف عن السؤال
لا يعلم أن الدرهم الذي يقدمه ..يسقط في يد الله الغنيّ قبل يد الفقير المحتاج
كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تعطّر الدرهم قبل أن تتصدّق به
فأولى بنا أن نعطّر قلوبنا ونصفّي نيتنا ونحن نعطي مما رزقنا الله

ولا تظن البخل ينجيك من عذاب الله فالبخل من وعود الشيطان
والبخل برأيي كفر وشرك بالله لأنك لا تؤمن أن الله هو الرزاق
قال الله تعالى في كتابه العزيز
أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ
أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ [النمل : 64]
فجمع الله اسم الخالق والرازق في آيه واحدة باسم الالوهية
ومن ينكر الرزق فهو ينكر الخلق فهو ينكر الله تعالى
وهو الكفر والشرك بعينه لا محيص منه
والغريب والعجيب ومن لطائف الكريم لمن يتمعن في كلام الله
أن الله جمع الخلق مع الرزق دوما في آياته الكريمة باعجاز الالوهية
وكأن الله يعلمنّا أن الله هو الخالق اذا خلق فقد رزق ..؟؟
وكل من ينكر الرزق من الله فهو ينكر أن الله خالق
ولم أجد في القرآن مكانا يذكر الله فيه الخلق والرزق
إلا كان اسم الالوهية موجودا فيه دوما كتحدّي لكل منكرّ

قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ
ومَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ
وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ [يونس : 31]

اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَاراً وَالسَّمَاء بِنَاء
وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ
ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [غافر : 64]

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم
مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ [فاطر : 3]

قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ
وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ [سبأ : 24]

اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ
مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [الروم : 40]

أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ
 أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ [النمل : 64]

\
/

على حافة الافطار

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما
اللهم اعط منفقا خلفا ويقول الآخر اللهم اعط ممسكا تلفا "


بلال فوراني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شاركني برأيك .. ودعني اسمع صوتك