السبت، 28 يوليو 2012

لطائف من القرآن .. يغفلّ عنها الانسان ..؟؟




اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما
وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه
واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه
وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين. اللهم آمين
حين أبحرّ في القرآن وأتلاطم في موج تفسيره وعمق معانيه
أجدني غائصاً يحاول البحث عن قشة كي تنجيه من هذا الغرق
فأهرول الى كتب التفسير وشرح المعاني واستعين بمختار الصحاح
كي أقف على أصل الكلمة ومعناها في اللغة العربية بجميع وجوهها
وحين أعجز عن الفهم استعين بأحد الشيوخ الذين منّ الله عليهم بالنور الالهي
وشرح لهم صدورهم كي يستنبطوا من القرآن ويكشفوا الأبواب المغلقة وراء كل كلمة
فيلقي لي هذا الشيخ الجليل بقنبلة تدويّ فيقول.. ألم تسمع قول الله .. واسجد واقترب ..؟؟
اسجد واقترب
حين أشمرّ عن روحي وأربط على عقلي وأبدأ رحلة البحث في القرآن
أجد العجائب التي لم ينتبه أحدنا اليها لأنه مخدّر بالقراءة مثل الببغاء
يرقص لسانه بالكلمات ويردد الايات دون اي استشعار للمعاني الباطنة
ولا يكلفّ نفسه عناء السؤال ولا الاستفسار ولا حتى الفهمّ أو العلم
وأسأل نفسي لماذا كلمة اسجد .. وليس اعبدّ .. أو أركع .. أو انحنيّ
هل تعلم أن أول أمر الهي في السماء للملائكة والجن .. هو السجود لآدم
قال الله تعالى ” وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى ” [طه : 116]
ترى هل كان السجود لآدم تلك الحركة البهلوانية التي نمارسها على الأرض
هل كان يحتاج الله أن يأمر ملائكته بالسجود لآدم بتلك الحركة التي يفهمها البشر
ولكن حركة السجود التي نعرفها لم تكن موجودة يوم خلق الله آدم وأمر الملائكة بالسجود له
اذن ما معنى السجود لآدم وهل كانت تعرف الملائكة معنى السجود قبل هذا
وإلا لما ابليس أبى واستكبر عن السجود إلا إذا كان يعرف معنى السجود ..؟؟
ترى كيف تسجد الشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب لله تعالى
أنا أستطيع أن أفهم سجود البشر ولكن سجود تلك المخلوقات فهو أمر عصيب
إلا إذا أستطعت أن تكشف النقاب عن معنى السجود حينها تتفتّح أبواب الغموض
قال الله تعالى
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ
وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ
وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ [الحج : 18]
ثم أبحث عن السجود في آيه أخرى فأجد هدّهد سليمان قد حطّ على قوم
يسجدون للشمس من دون الله فيستغرب فعلهم هذا ويقول بفطرة غريبة
أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ [النمل : 25]
هل كان الهّدهدّ يعرف معنى السجود حتى يستعجب ويستغرب سجود القوم للشمس ؟؟
اذن السجود له معنى عميق جدا .. يفسّر لما الله اختار هذه الكلمة عوضاً عن غيرها في آياته
ولما ابتدأ الله فيها الأمر للملائكة بالسجود لآدم ولما جعل السجود حسرة على المجرمين يوم القيامة
قال الله تعالى ” يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ [القلم : 42]
فأول دعوة لهم يوم القيامة هي السجود أيضا رغم أنه لا عبادة يوم القيامة ولا صلاة ولا ركوع
انما حسرة في قلوبهم يوم لا ينفعهم السجود بعد أن رفضوا السجود في الحياة الدنيا وهم سالمون
خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ [القلم : 43]
وحين تتبحّر في آيات الله أكثر وأكثر تجد أن الله اختار اسم المسجد الحرام للكعبة
رغم أنه في آيات أخرى يطلق عليه صفة البيت الحرام والبيت هو الأصل والمسجد لقب دخيل
وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [البقرة : 127]
فلم يقل الله تعالى يرفع القواعد من المسجد إنما قال البيت لأنه لم يكن هناك دعوة لله
وحين جاء رسول الله نزلت صفة المسجد على بيت الله الحرام لأنه جاء بالدعوة
قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة : 144]
اذن حين ترى الصورة قد أصبحت واضحة في معاني الاسماء التي وصف الله بها الأشياء
حينها تكتشف بنور رباني يخترق صدرك من الوريد الى الوريد أن السجود هو الطاعة المطلقة ..؟؟
فالله أمر الملائكة بطاعة آدم وهنا يأتي عدو الطاعة وهو التكبرّ يحاربه ويصدّه
فقال الله عن ابليس أنه أبى واستكبر حين ظنّ ابليس انه خير منه لأن الله خلقه من نار
فالسجود هو الطاعة والخضوع لله تعالى دون غيره من اله
والخضوع لله هو الاعتراف الصريح بأن لا حول ولا قوة لك إلا بالله العظيم
والخضوع هو مطلقّ الصدٌق مع الله تعالى في طاعتك له واستجابتك لأوامره ونواهيه
فقال الله تعالى في أية يشعشع منها نور الهي لطيف لا يفهمه إلا الراسخون في العلم
فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا [النجم : 62]
فأمر الله بالسجود ومن ثم العبادة .. فأنت لا تعبد من لا تخضع له ولا تطيعه
أنت لا تعرف كيف تعبد من لا تؤمن بقوته وجبروته وقدرته عليك
إذن الطاعة والخضوع لله .. هو منتهى السجود في حضرة الله
وحين قال الله اسجد واقترب .. فهو دليل لطيف وخفيّ يغيب عن كثير من الناس
أن بخضوعك لله وطاعتك وذلّك في حضرته هو أول الطريق للقرب من الله تعالى
فقال الله تعالى ” وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ” [البقرة : 186]
سيقول أحدكم هذا هو السجود لله ومعناه اللطيف .. فما بال السجود في الصلاة
ولماذا ننكبّ بقوائمنا الأربع حتى تلمس جباهنا الأرض نعفرّ وجوههنا بالتراب
وهنا يظهر النور الرباني حتى في حركات العبادة باجسادنا
جاء الرسول وعلّمنا الصلاة كما علمه اياها جبريل كما أمرنا الله بها
والسجود بهذه الهيئة لهو أكبر دليل على ما ذكرناه لمعنى السجود بالخضوع
فأنت تهوي برأسك الذي يملك السمع والبصر والذوق واللمس والفكر الى الأرض
كل حواسك مشدودة الى الأرض اعترافا بعجزك وضعفك وقلة حيلتك أمام الله
فحين تسجد السجدة الأولى وتلمس جبهتك الأرض وتقول في سرك سبحان ربي الأعلى
فأنت تهبط بجسدك الى الأسفل كي تتعلق بربك في الأعلى تناجيه سبحانك يارب سبحانك يارب
وكأنك تنزع منك خصلة الكبرّ التي استكبر بها الشيطان في أن خلقه من النار أعظم من الطين
فجاء الطين يهبط على الطين في الطاعة.. كي ترتقي النفس البشرية وتحلق في ملكوت الله الأعلى
حين تسجد على الأرض .. لا تهبط عليها مثل البهائم والكارهين لهذا الفعل
بل استشعر بأنك تهبط بالطين الذي خلقك الله منه فكل فصل يعود الى أصله
واترك نفسك الأمارة بالسوء في الحضرة الربانية تنكمش وتتقلص أمام الله
كي تعلو بنفسك وترتقي حتى تصير نفسك مطمئنة راضية مرضية من الله
فالسجود لله وأنت ترتعشّ خوفاً من بطش الجبّار وطمعاً في رحمة الرحمن
لهو أقصر طريق .. كي يكون الله قريب منك .. بل أقرب من حبل الوريد ..؟؟
\
/
على حافة الافطار
سُئِل أحد العارفين بالله عن معنى السجود مرتين في الصلاة
فقال :
السجدة الأولى تأويلها (( اللهم إنك منها خلقتنا ))
و تأويل رفع راسك منها (( و منها أخرجتنا ))
و السجدة الثانية (( وإليها تعيدنا ))
ورفع راسك منها (( و منها تخرجنا تارة أخرى ))
بلال فوراني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شاركني برأيك .. ودعني اسمع صوتك